" إلى اللقاء غداً "
هكذا ودعت صديقاتي في مفترق الطرق المؤدية لبيوتنا
وسرت وأنا اقفز مرة بعد مرة وأترنم ببعض الألحان الجميلة كعادتي كل يوم ..
لكن ما هذا ؟!
همسات و همهمات كثيرة صاخبة تصل إلى أذني .. تحيط بي كهالة من الغازات الكثيفة !
يالها من مسكينة !! .... كم أنا حزينة من اجلها !! ... كم هو أمر محزن !! ...
كثير ما حصل لها !! ....
من هي ؟!! تساءلت بيني وبين نفسي
الأصوات تعلو شيئا فشيئا .. ومازالت تلك الهمسات وغيرها تصل إلى أذني ولكنها تزداد وضوحا !!
وفجأة ........
ارتفع الصوت عالياً .. فسرت رعشة قاتلة في جسدي النحيل ودخل الخوف قلبي وبقيت عيناي تدوران في عدم اتزان بحثا عن مصدر هذه الأصوات ..
واستقرت أخيرا على منزل اعرفه جيدا .. كيف لا وقد أمضيت فيه عمري كله !!
انه منزلنا !!
ماذا حدث ؟ ماذا هناك ؟ لما كل هؤلاء هنا ؟!
أسئلة عديدة قفزت لذهني دفعة واحدة ...
الكثير من الرجال والكثير من النسوة .. ما بالهم هكذا ؟!
اقتربت بخطوات خائفة مترددة .. أقدم قدم و أأخر أخرى ..
وكم هالني منظر أختي وهي تبكي وتحاول عبثا منع شهقاتها المتتالية ..
ماذا حدث ؟! ...... صرخت
توجهت إلي نظرات الجميع ..
أكانت نظرات شفقة عطف ام خوف .. الله وحده يعلم ..
لكنها رغم هذا آلمتني أفزعتني بل قبضت على قلبي حتى كاد أن يتوقف !!
صرخت مجددا ... ماذا حدث ؟!
فنهضت أختي بخطوات واهنة وقد خشيت عليها من الانهيار ولكنها وصلت إليّ .. احتضنتني وما إن لامستني
حتى انقبض قلبي أكثر !!
أمي !!!!
أين أمي ؟ تكلمي أين هي .. أنا لا أراها !!
ومع أول كلمة نطقتها ازداد نحيبها وبكاؤها وشدت عليّ أكثر ..
توقف عقلي عن التفكير لوهلة ..
أتكون أصيبت بمكروه ما ؟!
حاولت الخلاص منها ولكنها تشبثت بي وهمست بكلمات كانت مثل سكاكين حادة اخترقت قلبي فمزقته بلا رحمة أو هوادة ..
- للل ققق دد رر حل تتتت أممميييييييي ...
- ماذا ؟ إلى أين ؟! ومتى تعود ؟!
- لن تعود !!!
- كيف ... لا تقولي إنها ...................... لاااااااااااااااااااااااااااااا
أنتي تكذبين ... تخلصت منها بشدة وانطلقت اجري في أنحاء المنزل وأنا افتح الأبواب و أصيح
أمي أين أنتي ؟
أجيبي عليّ .. أنا هنا أمي .. لقد عدت من المدرسة ...
وعندما لم القَ صدى لندائاتي
اختنق صوتي وأنا أقول :
أمي ! لن أزعجك بعد اليوم ...
أمي ! أنا لا أريد الغداء ..
أمي انظري ! لقد حصلت على الدرجة الكاملة فالامتحان .. لقد شكرتني المعلمة ..
أمي ! صدقيني سأحافظ على نظافة غرفتي .. سأساعدك في أعمال المنزل
ألم تريدي دائما تعليمي الطبخ
أنا مستعدة .. لن اهرب منك مرة أخرى ...
أمي ! أنا آسفة .. أعدك أن أكون أكثر هدوءا ..
لن أغضبك أبدا .. عوووودي إليّ فقط !!
أمي ..
لماذا رحلتي ؟!
لم اقبّل يدها منذ زمن .. لم اشكرها بعد .. بالأمس أزعجتها كثيرا تشاجرت معها ...
أمي .. أناااا آســــــــــــــــــــــــــــفـــــــــــــــــــ ــــــــة
أرجوك سامحيني ...
ولفرط انفعالي وعدم تصديقي بدأ جسدي بالارتعاش الشديد .. وشعرت أني سأنهار في أي لحظة ..
سقطت على الأرض وأنا ابكي وابكي وابكي .. حتى أحسست أن روحي تكاد تنزع مني
أمي أنا احبك ..لا تتركيني ... عودي إليّ ...
وفجأة .....
أحسست بذراعين تحيطان بي بحب شديد ويد حنونة تمسح على رأسي وقبلة دافئة تلامس جبيني ..
لأفتح عيني بصعوبة شديدة .. لأجد أجمل وجه يمكن أن يراه بشر
إنها أمي الحبيبة !
آآآآه أمي كم أنا احبك ..
وأنا كذلك صغيرتي .. اهدئي ماذا بك ؟! كان هذا صوتها الحنون الممزوج بقلق شفاف مثلها ..
وانخرطت في بكاء أليم جنائزي ..
ولا ادري لم البكاء !
أتكون دموع الفرح ؟
لسعادتي بأن كل هذا كان حلم مزعج بل كابوس كئيب انتهى وصحوت منه !
أم هي دموع حزن ؟!
حزن على هؤلاء ممن فقدوا الصدر الحنون واللمسة الدافئة واليد الممدودة دائما !
أكان عليّ أن افقدها لأشعر بقيمتها وكيانها ؟!
يا الله .. عجبا لنا بني البشر .. لا نشعر بقيمة الشيء إلا عند فقده !
الحمد والشكر لله على نعمة الأم ..
توقفت أخيرا عن البكاء وارتميت في أحضانها .. وأنا أقول : إني احبك أمي !
أنا آسفة على ما بدر مني تجاهك ..
وانقضت الليلة وأنا نائمة في أحضانها أنعم بحبها وحنانها ..
وحينها شعرت وكأنني ولدت من جديد !!
.
.
.