قال الله تعالى وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ فقد بالغ سبحانه في النهي عن الغيبة و جعلها شبه الميتة المحرمة من لحم الآدميين .
و قال (ص) يأتي الرجل يوم القيامة و قد عمل الحسنات فلا يرى في صحيفته من حسناته شيئا فيقول أين التي عملتها في دار الدنيا فقال له ذهبت باغتيابك للناس و هي لهم عوض اغتيابهم.
و أوحى الله إلى موسى (ع) من مات تائبا عن الغيبة فهو آخر من يدخل إلى الجنة و من مات مصرا عليها فهو أول من يدخل النار و روي أن من اغتيب غفرت نصف ذنوبه .
و روي أن الرجل يعطى كتابه فيرى فيه حسنات لم يكن يعرفها فيقال هذه بما اغتابك الناس قال بعضهم لو اغتبت أحدا لم أكن لأغتاب إلا ولدي لأنهم أحق بحسناتي من الغريب و بلغ الحسن البصري أن رجلا اغتابه فأنفذ إليه بهدية فقال له و الله ما لي عندك يد فقال بلى بلغني أنك تهدي إلي حسناتك فأحببت أن أكافيك و من اغتيب عنده أخوه المؤمن فلم ينصره فقد خان الله و رسوله و قال إذا لم تنفع أخاك المؤمن فلا تضره و إذا لم تسره فلا تغمه و إذا لم تمدحه فلا تذمه .
و قال (ع) لا تحاسدوا و لا تباغضوا و لا يغتب بعضكم بعضا و كونوا عباد الله إخوانا و قال إياكم و الغيبة فإنها أشد من الزناء لأن الرجل يزني فيتوب فيتوب الله عليه و إن صاحب الغيبة لا يغفر له إلا إذا غفرها صاحبها و قال (ص) مررت ليلة أسري بي إلى السماء على قوم يخمشون وجوههم بأظفارهم فسألت جبرائيل عنهم فقال هؤلاء الذين يغتابون الناس
[117]
و خطب (ص) فذكر الربا و عظم خطره و قال إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم من سبعين زنية بذات محرم و أعظم من ذلك عرض المسلم و روي في تفسيره قوله تعالى وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَة لُمَزَة أن الهمزة الطعن في الناس و اللمزة أكل لحومهم و ينبغي لمن أراد ذكر عيوب غيره أن يذكر عيوب نفسه فليقلع عنها و يستغفر منها و عليكم بذكر الله فإنه شفاء و إياكم و ذكر الناس فإنه داء .
و مر عيسى (ع) و معه الحواريون بكلب جائف قالوا ما أجيفه فقال هو ما أبيض أسنانه يعني ما عود لسانه إلا على الخير و الغيبة هي أن تذكر أخاك بما يكرهه لو سمعه سواء إن ذكرت نقصانا في بدنه أو نسبه أو خلقه أو فعله أو دينه أو دنياه حتى في ثوبه و قال (ع) حد الغيبة أن تقول في أخيك ما هو فيه فإن قلت ما ليس فيه فذاك بهتان له و الحاضر للغيبة و لم ينكرها شريك فيها و من أنكرها كان مغفورا له .
و قال رسول الله (ص) من رد عن عرض أخيه كان حقا على الله أن يعتقه من النار و قال (ع) طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس و منشأ الغيبة في الصدور الحسد و الغضب فإذا نفاهما الرجل عن نفسه قلت غيبته للناس
و قال رسول الله (ص) إن للنار بابا لا يدخله إلا من شفى غيظه و قال من كظم غيظه و هو يقدر على إمضائه خيره الله في أي حور العين شاء أخذ منهن و في بعض الكتب المنزلة ابن آدم اذكرني عند غضبك أذكرك عند غضبي فلا أمحقك مع من أمحقه و للعاقل شغل فيما خلق له عن نفسه و ماله و ولده فكيف عن أعراض الناس و إذا كان اشتغال الإنسان بغير ذكر الله بالغيبة و قال (ع) و هل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم و كفى بذلك قوله تعالى لا خَيْرَ فِي كَثِير مِنْ نَجْواهُمْ إِلّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَة أَوْ مَعْرُوف أَوْ إِصْلاح بَيْنَ النّاسِ فنفى الخير في النطق إلا في هذه الأمور الثلاثة فسبحانه ما أنصحه لعباده و شفقته عليهم و أحبه لهم لو كانوا يعلمون
و أما النميمة فإنها أعظم ذنبا و أكبر وزرا لأن النمام يغتاب و ينقلها إلى غيره فيغريه بأذى من ينقلها عنه و النمام يثير الشر و يدل عليه و لقد سد الله تعالى باب النميمة و منع من قبولها بقوله إِنْ
[118]
جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَة فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ و سمى النمام فاسقا و نهى عن قبول قوله إلا بعد البيان و البينة أو الإقرار و سمى العامل بقوله جاهلا و قال رجل لعلي بن الحسين (ع) إن فلانا يقول فيك و يقول فقال له و الله ما حفظت حق أخيك إذا خنته و قد استأمنك و لا حفظت حرمتنا إذا سمعتنا ما لم يكن لنا حجة بسماعه أ ما علمت أن نقلة النميمة هم كلاب النار قل لأخيك إن الموت يعمنا و القبر يضمنا و القيامة موعدنا و الله يحكم بيننا و كتب رجل من عمال المأمون يقول له إن فلانا العامل مات و خلف مائة ألف دينار و ليس له إلا ولد صغير فإن أذن مولانا في قبض المال و إجراء ما يحتاج الصغير إليه قبضناه فإنما احتقب هذا المال من أموالك فكتب إليه المأمون المال نماه الله و الولد جبره الله