[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]كل منا يحمل في جيبه أو حقيبته دفترا صغيرا لتدوين أفكاره أو ملحوظاته أو خواطره
أو مشاعره تجاه أحداث بعينها تمر به في الحياة. الفتيات بالذات يملن إلى عمل ذلك
بطبيعتهن الرقيقة مرهفة الحس التي لا تحتمل طويلا كبت المشاعر في الداخل، وتميل
للتعبير عنها أولا بأول لتخفيف العبء والضغط العصبي عن نفسها، وليس شرطا أن نخرج ما
بداخلنا أمام الآخرين، بل قد نفضل الفضفضة للصديق الصامت الذي لن يفشي أسرارانا
أبدا... دفتر الخواطر.
ولكن دفتر الخواطر ليس بالضرورة عبارة عن قطع من الأوراق المتساوية الحجم التي
نخط عليها بالقلم ويضمها غلاف أنيق، فقد يكون ملفا إلكترونيا على جهاز الكمبيوتر أو
اللاب توب، أو تدوينة ملاحظات على الهاتف الذكي الصغير، وقد يكون مدونة إلكترونية
على الإنترنت تحتضن أفكارنا وخواطرنا.
بل الأكثر من ذلك، قد تخرج أفكارنا ومشاعرنا بشكل آخر خلاف الكلمات، وهنا قد
يتحول دفتر الخواطر إلى لوحة نرسم عليها ما يجيش بصدورنا، أو مقطوعة موسيقية نؤلفها
تحكي كل ما مررنا به، وحتى مساحة منزوية في خلفية عقولنا نكدس فيها كل الأفكار
الحالمة الجميلة التي نهرب إليها أحيانا عندما تحاصرنا المشاكل وصعوبات الحياة.
دفتر الخواطر قد يكون صديقة مقربة تأتمنيها على أسرارك، قد يكون جدتك أو عمتك
التي تستمع إليك باهتمام وحب، ثم توجه لك النصيحة الصادقة وخبرة العمر الطويل.
وأحيانا نختار أن يكون دفتر خواطرنا وأفكارنا شخصا لا نعرفه، نتواصل معه عبر
الإنترنت فقط، ويصبح مع الأيام صديقا نبوح له بما في داخلنا بصدق تحت اسم مستعار
ونثق في وجهة نظره فيما قصصنا عليه لأنه ليس صاحب مصلحة من أي نوع، وإنما هو شخص
محايد ليس طرفا في أي شيء يخصنا (لكن وجب أن نحذرك من فعل ذلك لخطورة الثقة في شخص
غريب لا تربطنا به سابق معرفة ولا نعرف شيئا عن أخلاقه ومبادئه).
قد يكون دفتر خواطرك مكانا... نعم، قد يكون غرفة فارغة محكمة الإغلاق عليك
تصرخين بداخلها بكل ما يؤلمك أو يشغل عقلك من هموم أو أفكار أو أحلام ضائعة،
وتفرغين بداخلها دموعك بعيدا عن الآخرين. قد يكون محل سكنك القديم أيام الطفولة، أو
مدرستك الابتدائية، أو طريق لطالما سلكته مع أشخاص مقربين إلى نفسك، أو بحيرة رسمت
عندها أول لوحاتك واكتشفت عندئذ أنك تحملين الموهبة بداخلك... المكان الذي يمتلئ
بذكريات سعادتك وانطلاقك وبرائحة صديقاتك القدامى اللاتي تفتقدين وجودهن الآن في
حياتك وأنت على أعتاب مرحلة الشباب وتنتظرك الكثير من المسئوليات والواجبات في
الحياة. وقد يكون مجرد مكان فارغ بعيد عن الناس، لم تطأه قدماك من قبل، لكنك تختلين
فيه بنفسك، لتتبادلي الجدال والنقاش مع عقلك ويحتدم الصراع بينكما ويشتد، إلى أن
تتفقا في النهاية وتجدا مساحة مشتركة تجمعكما ويعود السلام بينكما من جديد.
وقد يكون دفتر خواطرك عبارة عن أغنية جميلة تربطك بها ذكريات غالية على نفسك،
وتنطلق بداخلك عبارات وأفكار وخواطر بعينها كلما استمعت إليها، وهذا الأمر تحديدا
يكثر بشدة في مرحلة المراهقة لأنها الفترة التي تكون الفتاة فيها غزيرة المشاعر
والأحاسيس، شديدة الرقة والبراءة وسريعة التأثر بالموسيقى والأنغام، وربطها
بأفكارها وأحلامها وحتى أحزانها، لتستيقظ كل هذه الأمور في ذاكرتها فجأة كلما
استمعت لنفس الموسيقى أو الأغنية.
الخلاصة هي أن دفتر الخواطر والأفكار قد يتخذ أشكالا وأحجاما وطبائعا مختلفة وفق
تفضيلات كل إنسان، فقد يكون تقليديا أو كلاسيكيا أو عصريا، قد يكون جمادا أو
إنسانا، أو حتى شيئا معنويا أو فنيا، لكنه دائما ما يحتوي مشاعرنا وأفكارنا، ويريح
نفوسنا مما يثقلها ويحزنها، فيحميها من الانهيار والضغط العصبي، ويعمل كطبيب نفسي
يبعد عنا أولا بأول شبح الاكتئاب.